وكالات
تؤدي الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والمشاريع والإسكان في السعودية، إلى تعزيز موقع شركات المقاولات ومواد البناء المحلية، إضافة إلى جذب شركات إقليمية وعالمية، بما يؤشر إلى تحول ثاني أكبر قطاع غير نفطي، والمتوقع أن يقفز حجم نشاطه السنوي إلى تريليون ريال، ليكون بمثابة قاطرة لدعم تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وهو ما يصب في قلب “رؤية 2030”.
خلال حديث لـ”الشرق”، توقع زكريا العبد القادر، رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمقاولين، أن يتضاعف حجم قطاع المقاولات السعودي من 280 مليار ريال حالياً إلى تريليون ريال سنوياً خلال العام القادم، ويواصل تحقيق هذا الرقم في عامي 2026 و2027، مشيراً إلى أن قيمة عقود مشاريع المقاولات العقارية التي ستوقعها السعودية حتى عام 2023، ستصل إلى 1.8 تريليون ريال.
من جهتها ذكرت “ماكينزي” للاستشارات، في تقرير لها، أنه مع وجود مشاريع كبرى قيد التنفيذ، على غرار مشروع المدينة الذكية “ذا لاين” التابعة لـ”نيوم”، والبحر الأحمر، والقدية، وروشن، والدرعية، فمن المتوقع أن يصل إنفاق السعودية إلى أكثر من 175 مليار دولار سنوياً على المشاريع الضخمة بين عامي 2025 و2028.
فرص للشركات المحلية والدولية
المشروعات الكبرى قيد التنفيذ في السعودية من شأنها أن تفسح المجال لنمو شركات قطاع المقاولات والبناء، فشركات الأسمنت السعودية على سبيل المثال، رغم تباطؤ نموها العام الماضي، إلا أن الإجماع يتجه نحو نمو إيراداتها وأرباحها خلال هذا العقد لتحقق هوامش أرباح تتفوق على نظيراتها العالمية، بحسب “بلومبرغ إنتليجينس”، التي توقعت أيضاً نمواً في إيرادات هذه الشركات بنسبة 7% وزيادة في الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بنسبة 12% في 2024.
الشركات المحلية ليست المستفيد الوحيد، فمع ضخامة حجم المشروعات فتحت الحكومة المجال للمطورين العقارين الإقليميين والدوليين. أبرز مثال على ما سبق أن أكبر ثلاثة عقود، استحوذت عليها شركات “وي بيلد” الإيطالية و”إيكوم” و”جاكوبز” الأميركيتين، كما أن عدداً من الشركات الإقليمية مثل “إعمار” الإماراتية، وكبار مطوّري مصر على غرار “سميح سويرس” و”طلعت مصطفى” وماونتن فيو” و”صبور” و”تطوير مصر” جميعها اتجهت إلى المملكة لجني ثمار فورة العقار هناك.
مشاريع عملاقة
إضافة إلى قطاع شركات المقاولات والبناء، تأتي مشروعات البنية التحتية الضخمة على رأس المشروعات الإنشائية، وتشمل إنشاءات الطرق والسكك الحديدة والمطارات. فبحسب متوسط توقعات “غلوبال داتا” فإن النمو السنوي للناتج الإجمالي لقطاع البنية التحتية في السعودية سيصل إلى 5.9% للفترة بين 2025 و2027، في وقت أن ما يزيد عن 70% من هذه المشروعات إما في مرحلة التنفيذ أو قيد الإطلاق.
سد فجوة الإسكان
يمثل سد فجوة الإسكان البالغة مليوني وحدة أولوية للحكومة السعودية، إذ تستهدف رفع ملكية السعوديين للمنازل إلى 70% بحلول عام 2030، مقارنة بنحو62% في 2020.
ومن أجل ذلك، قامت السعودية بتأسيس شركة تطوير وصندوق ضمان الرهن العقاري لتوفير التمويل، كما سهلت إجراءات منح التمويلات وخاصة لمشتري المساكن لأول مرة. وبحسب تقرير “بلومبرغ إنتليجينس” تقوم الحكومة ببناء مليون مسكن جديد “بأسعار معقولة”.
علاوة على ذلك، تركز صناديق الاستثمار السعودية على مشاريع جودة الحياة، بما فيها منشآت الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية والاجتماعية، إضافةً إلى تطوير المشاريع السكنية المتكاملة.
وفقاً لبيانات “ميد”، فمن شأن هذه المشروعات، سواءً كانت في مرحلة التنفيذ أو قيد الإطلاق، أن ترفع متوسط الإنفاق الاستثماري السنوي للسنوات الخمس المقبلة أعلى من المستويات التاريخية. فالإسكان، على سبيل المثال، يشمل مشاريع بقيمة 75 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يمثل متوسط إنفاق سنوي يعادل 15 مليار دولار على هذا قطاع، فيما يُتوقع أن تبلغ استثمارات القطاع الصحي 3.6 مليار دولار في المتوسط في الخمسة أعوام القادمة.
تحديات التمويل
ضخامة حجم المشاريع التي تنفذها السعودية دفعت أحمد شمس الدين، رئيس قطاع البحوث في “إي إف جي هيرميس” (EFG Hermes) إلى التساؤل عن خيارات المملكة التمويلية لمشروعات رؤية 2030، والتي يبلغ حجمها ثلاثة أضعاف صافي الأصول الأجنبية للبلاد وأصول الصندوق السيادي مجتمعين، في ظل تراجع عائدات النفط، ومحدودية السيولة لدى البنوك السعودية.
بدورها نبهت وكالة “فيتش” الشهر الماضي، من تأثير الإنفاق على المشاريع الكبرى على قوة الميزانية العمومية في المدى المتوسط، مشيرة إلى أن “ارتفاع إنفاق القطاع العام خارج الميزانية، بما في ذلك المشاريع الطموحة، واحتمال ارتفاع ديون الكيانات المملوكة للدولة والكيانات المرتبطة بها، مع مضي المملكة قدماً في استراتيجية الاستثمار كجزء من رؤية 2030، يمثل خطراً متوسط المدى على نقاط قوة الميزانية العمومية للدولة”.
شمس الدين رأى خلال ملتقى السوق المالية السعودية الذي انعقد بالرياض مؤخراً، أن مزيداً من المرونة المالية، وخصوصاً لا مركزية التمويل، إضافةً إلى زيادة إصدارات الدين بالعملة المحلية من قبل الشركات الكبرى الخاصة، فضلاً عن تهيئة البيئة لسوق ثانوية نشطة لهذه الديون، ضرورية لبناء منحنى العائد المحلي، وإعادة توازن القطاع المالي في البلاد، وتعميق دور أسواق رأس المال في برنامج التحول.
وأشار إلى أن هذه العوامل ستؤدي إلى إطلاق العنان لإمكانات تمويل هائلة، كما ستوفر للنظام المصرفي مصدراً بديلاً للتمويل طويل الأجل.
التوجه نحو سوق الدين
بدأت المملكة بالفعل بالتوجه إلى أسواق الدين لتمويل عجز الموازنة مع استمرارها في الإنفاق على هذه المشاريع، إذ أصدرت بداية العام سندات دولارية على 3 شرائح بقيمة إجمالية تبلغ 12 مليار دولار، متوقعة أن تبلغ احتياجاتها التمويلية خلال العام الجاري، نحو 23 مليار دولار.
كما قام صندوق الاستثمارت بطرح سندات وصكوك على دفعتين بقيمة إجمالية تبلغ 7 مليارات دولار، وتوقع “مورغان ستانلي” أن يطرق الصندوق أسواق الدين مجدداً هذا العام، ليصل إجمالي حجم استدانتة إلى ما بين 10 إلى 11 مليار دولار بنهاية 2024.
وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني توقعت استمرار نمو سوق الدين السعودي خلال العام الجاري مدعوماً بإصدارات الحكومة محلياً ودولياً لتلبية احتياجات التمويل، ومدفوعات الديون المستحقة. وتشير البيانات إلى أن إجمالي محفظة إصدارات الديون بالمملكة بلغت 360 مليار دولار في نهاية 2023.