وكالات
في الساحة السياسية الأميركية، تبرز قضية الإسكان كحلبة صراع بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، هذا التنافس ليس مجرد مبارزة بين شخصيتين سياسيتين، بل يمثل مواجهة بين رؤيتين متباينتين لمستقبل الإسكان في الولايات المتحدة.
فمن جانب، تُظهر سياسات بايدن التزاماً بتوفير الإسكان الميسور التكلفة كحق أساسي للأميركيين، بينما يركز ترامب على تحفيز السوق عبر سياسات اقتصادية تشجع الاستثمار والتطوير العقاري، ووسط هذا الصدام يتساءل الناخبون: هل هم أمام فقاعة عقارية محتملة تهدد استقرار الاقتصاد، أم أن الأمل في تحقيق نظرة متفائلة لسوق الإسكان لا يزال قائماً؟
ويقول أكثر من نصف أصحاب المنازل والمستأجرين إن القدرة على تحمل تكاليف السكن تؤثر على خططهم للتصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفقاً لمسح أجرته شركة Redfin الشهر الماضي، وشمل نحو 3000 شخص، وعندما طُلب منهم تحديد مدى موافقتهم أو عدم موافقتهم على تأثير تكاليف السكن على قرارهم في التصويت لأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال 17.9% إنهم موافقون تماماً، وقال 35.3% إنهم موافقون إلى حد ما.
ويقول ما يقرب من ثلثي أصحاب المنازل والمستأجرين إن القدرة على تحمل تكاليف السكن تجعلهم ينظرون إلى الاقتصاد ببعض من التشاؤم، إذ قال 22.7% من المشاركين إنهم يتفقون تماماً مع عبارة: القدرة على تحمل تكاليف السكن تجعلني أشعر بالتشاؤم حيال الاقتصاد بشكل عام، بينما قال 41.5% إنهم يوافقون إلى حد ما على ذلك.
وتقول بيانكا داليسيو، وهي وسيطة عقارية في نيويورك، لـ«CNN الاقتصادية» إن القدرة على تحمل تكاليف السكن في مقدمة أولويات الناخبين لأن معدلات الرهن العقاري وأسعار المنازل مرتفعة، كما أن هناك نقصاً حاداً في عدد المساكن، الأمر الذي وضع حلم ملكية المنازل بعيداً عن متناول العديد من الأميركيين، وعلى الرغم من أن الاقتصاد قوي على الورق، فإن الكثير من العائلات لا تشعر بالفوائد، بسبب الصعوبات التي تواجهها في شراء منازل.
وفي السنوات القليلة الماضية، دفعت طفرة الإسكان التي غذتها الجائحة أسعار المساكن والإيجارات إلى الارتفاع بشكل كبير، وبعد فترة وجيزة وصل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ أربعة عقود من الزمن، ورداً على ذلك رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في ذلك الوقت، وارتفعت أسعار الرهن العقاري وبلغ متوسط سعر الفائدة على الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عاماً 8% العام الماضي، ورغم أن الاقتصاد على مسار التعافي في الوقت الراهن مع انخفاض مستويات التضخم، واحتمال خفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام، فإن أسعار المنازل لم تنخفض نظراً لقلة المعروض.
إذن، من هو المرشح الرئاسي الذي سيصلح المشكلة، أو على الأقل يحاول إصلاحها؟
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس بايدن عن خطة لخفض تكلفة السكن من خلال الإعفاءات الضريبية (لمشتري المنازل لأول مرة والأشخاص الذين يبيعون منازلهم الجديدة)، والمساعدة في الدفعة الأولى، وقال أديوالي أدييمو، نائب وزير الخزانة، بعد خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس بايدن، «لكي نكون قادرين على شراء المنازل، نحتاج إلى المزيد من المنازل بشكل عام، منذ الأزمة المالية، قمنا ببناء عدد قليل جداً من المساكن هنا في الولايات المتحدة».
أما ترامب، فقد أعرب مراراً كرئيس ومرشح، عن استيائه من القيود التنظيمية المفرطة في مختلف قطاعات الاقتصاد.
وقال مايك وول، مؤسس EZ Sell Homebuyers للاستثمارات العقارية في أميركا، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن «إدارة دونالد ترامب معروفة بموقفها غير التنظيمي، الذي يهدف إلى تقليل عبء اللوائح التنظيمية على الشركات والمستهلكين، من شأن هذه السياسة أن تؤدي إلى معايير إقراض أكثر مرونة وربما خفض تكلفة الحصول على الرهن العقاري، وهذا يمكن أن يحفز الطلب في سوق الإسكان من خلال تسهيل شراء المنازل على الناس، إلا أن الكثير من التحرر من القيود التنظيمية يمكن أن يشكل أيضاً مخاطر، مثل تقليل التدقيق في قدرة المقترضين على سداد القروض، وهو ما كان أحد العوامل التي أسهمت في الأزمة المالية عام 2008».
أثر السياسات الضريبية
في عام 2017، وقع ترامب على تشريع عام كان بمثابة إصلاح شامل لقانون الضرائب، ومن المقرر أن تنتهي صلاحية العديد من الأحكام الرئيسية في هذا التشريع في العام المقبل، وقد وعد ترامب بالإبقاء على بعض منها إذا أعيد انتخابه.
وقال وول «إن إصلاحات ترامب الضريبية، وخاصة قانون التخفيضات الضريبية والوظائف (TCJA)، أدخلت تغييرات كبيرة على قانون الضرائب، قد تشهد الولاية الثانية مزيداً من التخفيضات أو التعديلات الضريبية التي قد تؤثر على سوق العقارات، بالنسبة لأصحاب المنازل قد تتم إعادة النظر في الحد الأقصى لخصم الفائدة على الرهن العقاري، ما قد يؤثر على قرارات الشراء، بالنسبة للمستثمرين العقاريين، فإن التغييرات في ضريبة أرباح رأس المال أو المزايا المستمرة مثل تبادل 1031 (التبادلات مؤجلة الضريبة) يمكن أن تؤثر على استراتيجيات الاستثمار».
ويمكن لسياسات ترامب أن تقنع بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، المحرك الكبير لسوق الإسكان، بعد أن شهد عام 2023 تشديداً للسياسة النقدية تمثل في رفع أسعار الفائدة في إطار حرب البنك على التضخم، وأدى لقروض عقارية باهظة الثمن.
وبحسب وول، فرغم أن الرئيس لا يحدد أسعار الفائدة بشكل مباشر، فإن السياسة المالية للإدارة يمكن أن تؤثر على التضخم والنمو الاقتصادي، وبالتالي تؤثر بشكل غير مباشر على قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وشهدت ولاية ترامب السابقة ضغوطاً على الاحتياطي الفيدرالي لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة لدعم النمو الاقتصادي، ويمكن أن تستمر الولاية الثانية لترامب في تفضيل أسعار الفائدة المنخفضة، ما يجعل الرهن العقاري بأسعار معقولة وربما يعزز سوق الإسكان، ومع ذلك فإن هذا يتوقف على الظروف الاقتصادية الأوسع والتقييمات المستقلة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
ويقول مازن سلهب، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «بي دي سويس» إن ترامب قد يسعى لإقالة جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي إذا فاز بولاية ثانية، وقال «الشيء الأول الذي سيقوم به ترامب لو أتى إلى البيت الأبيض هو إقالة جيروم باول، سيفتح الحرب عليه بعد أن كان يقول عنه كلاماً طيباً في السابق في الوقت الذي كان باول يخفض فيه الفائدة مضطراً بسبب كورونا، كلام ترامب سياسي ويتماشى مع مصالحه السياسية والاقتصادية، هو رجل أعمال لديه عقارات وهذه العقارات من الأفضل أن تكون قروضها بفوائد متدنية».
أما بايدن، فقد قرر منح الأميركيين إعفاء ضريبياً بقيمة 10000 دولار فقط مقابل بيع منازلهم، وتأمل الإدارة أن تساعد هذه الخطوة في فك القيود عن أصحاب المنازل، الذين باتوا عالقين في منازلهم خوفاً من اللجوء للرهن العقاري في عصر أسعار الفائدة المرتفعة.
ويهدف قرار بايدن، الذي كشف عنه أوائل الشهر الجاري، إلى تحفيز الناس على بيع «منازلهم الأولية» (المحددة على أنها أقل من متوسط سعر المنزل في المنطقة)، ما يحرر تلك المنازل ويتيحها للمشترين الجدد.
وتقول الإدارة إن هذا «الائتمان المالي» يستهدف عائلات الطبقة المتوسطة التي تسعى إلى الارتقاء في «سلم السكن»، وفي الوقت نفسه، تتضمن الخطة أيضاً ائتماناً ضريبياً للمشترين لأول مرة، يهدف إلى تعويض تكلفة معدلات الاقتراض المرتفعة اليوم، ويصل هذا المبلغ، الذي يطلق عليه «الائتمان الضريبي لتخفيف الرهن العقاري»، إلى 5000 دولار سنوياً لمدة عامين.
سياسات البنية التحتية
سبق أن دشن ترامب حملة حول خطة للبنية التحتية بقيمة تريليون دولار، وقال للصحف وقتها «سنصلح مدننا الداخلية ونعيد بناء الطرق السريعة والجسور والأنفاق، والمطارات، والمدارس، والمستشفيات، وسنعمل على تشغيل الملايين من أفراد شعبنا أثناء إعادة بنائه».
وإذا استمرت هذه الخطة في فترة ولاية ثانية، فإن مشاريع البناء يمكن أن تفيد أسواق الإسكان المحلية.
وقال وول «إن تركيز ترامب على البنية التحتية والتنمية يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستثمار في هذه المجالات، ما قد يعزز أسواق الإسكان المحلية حيث يتم تنفيذ المشاريع، يمكن للبنية التحتية المحسنة أن تزيد من قيمة العقارات وتجذب المزيد من المشترين والمستثمرين إلى منطقة ما».
على الرغم من أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الذي يقيس أداء أفضل 500 شركة مدرجة في أكبر بورصات الولايات المتحدة، سجل أعلى مستوياته تاريخياً فوق 5200 نقطة في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، فإنه، وبالأرقام، ارتفع بنحو 40 في المئة خلال فترة حكم بايدن، مقابل قفزة بنسبة 70 في المئة حدثت خلال أيام الرئيس السابق ترامب، حسب ما قال سلهب، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «بي دي سويس».
لكن من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن سوق الأسهم الأميركية بما فيها القطاع العقاري، عاكست الاتجاه الطبيعي للفائدة، حيث حصدت مكاسب قوية في فترة لا تزال فيها أسعار الفائدة في أعلى مستوياتها منذ 2001، علماً بأنه كان من الطبيعي أن تتراجع الأسهم بضغط من الفوائد المرتفعة.
أما الأسباب، فأهمها أن الاقتصاد الأميركي نجا مراراً من الركود الاقتصادي، بل سجل أداءً قوياً نسبياً في 2023 تحديداً، وهو الأمر الذي شكل دعامة للأسواق.
11 حالة ركود اقتصادي مرت بها الولايات المتحدة منذ 1953 حتى اليوم، 10 مرات منها حصلت على أيدي الجمهوريين.
وفي عالم يتطلع إلى الاستقرار والرخاء، يجد الناخبون أنفسهم في مواجهة قرارات حاسمة تتجاوز الأيديولوجيات السياسية لتمس جوهر حياتهم اليومية، ومع الإعلانات الجديدة من الإدارة الحالية ووعود المرشحين، يبقى السؤال: من سيكون بطل الإسكان في أميركا؟